الثلاثاء، 21 مارس 2023

نهر النيل شمال السودان يختنق من رمال الصحراء.. "فوضى الذهب" والتصحّرُ يهددان الآثار والعمران

نهر النيل شمال السودان يختنق من رمال الصحراء.. "فوضى الذهب" والتصحّرُ يهددان الآثار والعمران


تحتفظ المنازل في شمال السوداني بالهوية النوبية

يكاد نهر النيل شمالي السودان يختنق من رمال الصحراء، فيما تبقى آثار ومباني القرى والمناطق النوبية التاريخية الممتدة حتى حدود البلاد مع مصر مهددة بالزحف الصحراوي وفوضى تعدين الذهب الضارة بيئياً وصحياً. وتنتشر في المناطق الممتدة على طول مجرى النيل في شمال السودان أبنية نوبية بطراز معماري فريد، صمد بعضها وتلاشى البعض الآخر أمام قسوة الطبيعة.


وتجري بعثات أوروبية في مناطق شمال السودان بجانب النيل وحتى شرق البلاد سنويا، اكتشافات لمواقع أثرية جديدة، وتحضر هذه البعثات إلى البلاد من دون تمويل حكومي، ومع ذلك تنجح في سبر أغوار عشرات المواقع التي تركها السكان الأوائل قبل آلاف السنوات. ويقول مسؤول حكومي من هيئة الآثار، إن معظم الآثار والمباني التاريخية باتت مهددة في ظل غياب الخطط الكافية لحمايتها.


ومنذ آلاف السنين وحتى اليوم، تجبر تقلبات الطقس السكان على تشييد منازل واسعة لتفادي الحر، وفي ذات الوقت تشييد غرف وأزقة ضيقة للحصول على التدفئة في شتاء قاس يشتهر به هذا الإقليم الذي يضم ملايين الأفدنة من الأراضي الخصبة.


وتحتفظ المنازل شمال السودان بـ"الهوية النوبية" من حيث شكل الأبواب والغرف وحتى جدران المنزل، حيث تشيد على جانبيه مقاعد من الحجارة، ليحصل سكان المنزل على تدفئة شمس الصباح عندما يكون الجو باردا، حيث يفضل كبار السن قضاء وقتا أطول وهم يحتسون الشاي الساخن.


وتبدو هذه الحضارة التي يقول علماء الآثار في السودان إنها تعود إلى 7 آلاف سنة، تتعرض إلى إهمال رسمي واضح، في حين يبذل متطوعون ونشطاء في المنطقة جهدا لحماية الآثار من الانهيار والتآكل بفعل العوامل المناخية، أو حتى تجريف الباحثين عن الذهب.ويؤكد المختص في الآثار النوبية حسن أوشي، أن "المواقع الأثرية في طريقها إلى الاندثار مع موجة التعدين بحثا عن الذهب إذا لم تجد الحماية اللازمة".


ويشير أوشي إلى خطورة الزحف الصحراوي حول بعض المناطق الأثرية وتحولها إلى ما يشبه "الأقبية المدمرة"، متوقعا أن تختفي يوما ما بفعل الطبيعة والعامل البشري تلك المنطقة الزاخرة بالحضارة النوبية الضاربة في القدم.


وأضاف: "حتى المباني التي يقيم فيها السكان شمال السودان تشبه الآثار النوبية، في ارتباط وثيق بين الآثار والبيوت".ويقدر أوشي حجم التمويل المطلوب لترميم الآثار النوبية شمال البلاد بمائة مليون دولار، مع إمكانية تشييد مواقع سياحية تكون مزارا لآلاف السياح الأجانب والمحليين.


ويتوقع محللون اقتصاديون في دوائر حكومية أن ترتفع عائدات السياحة من شمال السودان إلى نصف مليار دولار سنويا، إذا جرى ضخ استثمارات بقيمة مليار دولار من دول وصناديق إقليمية.ويقول المحلل الاقتصادي محمد إبراهيم ، إن من المهم حماية وترميم تلك الآثار والاستفادة من العائدات السياحية الضخمة التي يمكن أن تدرها.


وأردف إبراهيم: "الحركة المستمرة لتطوير وحماية المناطق الأثرية وتوفير الخدمات الجيدة هي أبرز المتطلبات اللازمة لحماية الآثار كما يحدث في بعض الدول"، لافتا إلى أن "شمال السودان يتعرض لهجمة شرسة من موجات البحث الذهب على حساب الغطاء النباتي والآثار".


الاثنين، 20 مارس 2023

عرض المتهمين "لايف" لكشف المستور على رؤوس الأشهاد.. منشور لشرطة السودان يثير ضجة

عرض المتهمين "لايف" لكشف المستور على رؤوس الأشهاد.. منشور لشرطة السودان يثير ضجة


الشرطة تقيض على مجرم

في خطوة غير مسبوقة، وجّهت السلطات بالسودان، إنذاراً شديد اللهجة لعصابات السلب والنهب والسرقة بالإكراه، وأعلنت شروعها في استخدام سلاح التشهير لفضح مرتكبي تلك الجرائم أمام الملأ، كما توعّدت بعرض المقبوض عليهم "لايف" لكشف المستور على رؤوس الأشهاد.


تهديد ووعيد


المنشور المثير، نُشر في صفحة "متابعات إعلام شرطة ولاية الجزيرة" بمنصة "فيسبوك". واحتشد بكلمات التهديد، وتوعّد أفراد عصابات النهب المسلح والسرقة بالإكراه المعروفة محلياً بعصابات (9 طويلة) بالتشهير قائلاً "هذه رسالة لكل من تسوّل له نفسه العبث بممتلكات المواطنين، حرامي أو 9 طويلة، سيتم إلقاء القبض عليك وتصويرك "لايف" لندع العالم كله يراك ويتعرّف عليك. أما بالنسبة للناس التي تقول إن هذا تشهير وانتهاك حقوق شخصية، فنحن نتعامل بشفافية "لأن السرقة وترويع المواطنين تحت تهديد السلاح" أكبر مُهدِّدٍ وفيه انتهاكٌ أيضاً للحقوق".


بث مقاطع مصورة


شرطة ولاية الجزيرة بوسط السودان، اتبعت المنشور غير المألوف ببث مقاطع مصوّرة لما وصفته بأخطر مُعتادي سرقات النشل بسوق مدني -حاضرة ولاية الجزيرة - كما بثّت مقطعاً ثانياً لمنقبة تروي كيفية خطف شبان لهاتفها المحمول قُرب كوبري حنتوب بمدني، وذكرت أنها دونت بلاغاً جنائياً بالواقعة بقسم الشرطة التي تمكّنت من إلقاء القبض على المتهمين، واستعادة الهاتف المحمول.


عواقب وخيمة


الكاتب الصحفي محمد عبد الماجد قال لـ"العربية.نت"، إن التشهير بالمتهمين مهما بدت دوافعه منطقية، مرفوض وعواقبه وخيمة، لأن القاعدة القانونية تشير إلى أن "المتهم بريء حتى تثبت إدانته". فالإدانة هنا تصدر من محكمة الرأي العام بمشهد خاطف أو رواية أحادية، عكس المحاكم التي تقوم بتمحيص البيِّنات والأدلة والبراهين وأقوال الشهود، كما تستمع إلى المتهم نفسه، ومن ثم تصدر حكمها.


أيضاً التشهير أو الفضيحة - كما يؤكد محمد - قد يؤدي إلى توغُّل المتهم أكثر داخل أوكار الجريمة، وقد يجعل أمر توبته عسيراً وصعب المنال، فلم يعد لديه ما يخسره بعد افتضاح أمره وكشف ستره. لذا فإن قراراً كهذا يحتاج لدراسة متأنية من جهات الاختصاص ويُخضع للمراجعة والإجازة من المجالس التشريعية. كما يحتاج الأمر لرؤية مُستبصرة لأن العمود الفقري لعصابات (9 طويلة) لجانحين صغار السن، والظاهرة نفسها أفرزتها التحولات السياسية والاقتصادية والسيولة الأمنية


جرائم (9 طويلة)


مدن السودان المختلفة، سجّلت ارتفاعاً لافتاً بجرائم النهب والسرقة بالإكراه على أيدي عصابات تنشط فوق ظهور الدرّاجات النارية، وتُعرف محلياً بعصابات (9 طويلة)، ويقال إن التسمية تولّدت من الطريقة المتبعة بالنهب أو الاختطاف، إذ يتحرك لصان أو أكثر فوق الدراجة النارية، أحدهما للقيادة والآخر للسرقة، وتمتد يد اللص عن آخرها، ثم تلتف على شكل 9 لانتزاع الموبايل أو الحقائب الصغيرة بسرعة البرق، قبل أن يفروا تاركين المكان بنفس السرعة.ومؤخراً، سجّلت مضابط الشرطة وقوع ضحايا بالعشرات لتلك العصابات التي لا تتورّع عن القتل لنهب الضحايا.


نشر صور أصحاب السوابق.. لماذا؟


بدوره، قال ضابط بالمباحث الجنائية - طلب حجب هويته - لـ"العربية.نت"، تعليقاً على نشر صور ومقاطع مصورة للمتهمين في جرائم النهب والسرقة، من ناحية قانونية لا يجوز نشر صور المتهمين خلال فترة التحري، لكن لخطورة الجرائم المُرتكبة بواسطة هؤلاء المعتادين يمكن أن يلتف رجال المباحث والجهات الشرطية المعنية (الإدارة العامة للمباحث المركزية) على هذا المنع والاستفادة من حرية النشر بهدف التعقب باعتبار أنهم مطلوبون وتحتاج السلطات لعون المواطنين في الوصول إليهم باعتبارهم من المسجلين الخطرين، ويتم نشر صورهم تحت هذا التبرير.


ويضيف: أذكر في إحدى الدورات التدريبية خارج السودان، تعلّمنا من القائمين على أمر المباحث بأن أعمال المباحث تتطلب التفكير خارج الصندوق بهدف المصلحة العامة، وهذه إحدى المطلوبات. وجرائم مُعتادي (9 طويلة) تحتاج لنشر صور مُعتاديها حتى يساهم أفراد المجتمع في الحد من نشاطهم وتضييق فرصة تُمكِّنهم من التجوال عبر معرفة المواطن لوجوههم وحرقهم تماماً، خاصّةً أنّهم يصعب القبض عليهم وتعقبهم بعد ارتكابهم جرائمهم بسبب استخدامهم الدراجات النارية التي تسهل هروبهم عبر الأزقة والممرات الضيِّقة، وأنجع وسيلة هي الحد من نشاطهم بكشف هوياتهم لكل المجتمع.


الأحد، 19 مارس 2023

"الساعاتي" بالنمط الكلاسيكي في السودان.. صمود يُطوّع عقارب الحداثة

"الساعاتي" بالنمط الكلاسيكي في السودان.. صمود يُطوّع عقارب الحداثة


الساعاتي بالنمط الكلاسيكي

تحت مظلة قبالة إحدى البنايات القديمة بالسوق الأفرنجي وسط العاصمة السودانية الخرطوم، يجلس عثمان عبده وأمامه طاولة خشبية مليئة بالساعات المتعطلة وهو منهمك في إصلاحها، في مشهد يعيد للأذهان مهنة "الساعاتية" بنمطها الكلاسيكي والتي طالما اعتقد البعض تلاشيها بفضل أمواج الحداثة.


يضع عثمان عبده الملقب بـ"شيخ الساعاتية" عدسة على عينه اليمنى في محاولة لكسر ظلام دامس يحيط بمهنته التي أمضى فيها أكثر من 55 عاماً، بينما يمسك بيده مفتاح رفيع لضبط عقارب الساعة الزمن وهو يمني نفسه بعودتها عقود إلى الوراء، في قصة صمود ملهمة.


وكان الساعاتية وهم حرفيين متخصصين في صيانة الساعات المتعطلة وضبط الوقت، أحد أهم ملامح الخرطوم ويحظون بمكانة اجتماعية مرموقة، إذ يرتاد محالهم المنتشرة في السوق العربي والأفرنجي، كبار المسؤولين ونجوم المجتمع للحصول على خدماتهم، لكن سرعان ما خفت بريقهم نتيجة تراجع اهتمام السودانيين بلبس الساعة.


شغف المهنة


ولم يداوم شيخ الساعاتية في عمله لأجل كسب مادي، لكن لتلبية شغفه وحبه لهذه المهنة التي تمثل كل حياته ولا يستطيع تركها مهما كان عائدها ضئيلاً، ويقول عبده "أمضيت كل حياتي في إصلاح الساعات، لقد ورثت هذه المهنة عن والدي وكان لي أربعة محال ثابتة في وسط الخرطوم لإصلاح وبيع الساعات.


ويضيف "ما زلت احتفظ بحوالي 9 كراتين كبيرة مليئة بالساعات القديمة، ونقوم بإخراجها بشكل دوري لتنظيفها وإصلاح المتعطل منها، وذلك بغرض التسلية وإراحة النفس، فأنا أستريح عندما اشتم رائحة الساعات وهذا الحب جعلني متمسك بمهنة الساعاتية وسأظل عليها حتى الممات".


معركة البقاء


ورغم تراجع اهتمام السودانيين بلبس الساعات، ما يزال عشرات الحرفيين يجلسون بجوار "عثمان عبده" وهم يداومون في محالهم المتواضعة وسط العاصمة الخرطوم ضمن مساعٍ لإبقاء امبراطورية الساعاتية على قيد الحياة.ويستند الساعاتية في رحلة كفاحهم بمعركة البقاء، على ضوء في آخر النفق وهو وجود فئة مقدرة من السودانيين مازالوا يهتمون بارتداء الساعات ويعتبرونها مكملة لشخصياتهم وهم شريحة معتبرة يعود عهدها إلى الزمن الجميل".


يقول خوجلي "نعتمد على مجموعة محدودة من السودانيين لا تتعدى نسبتهم 15% يهتمون بشراء الساعات القيمة ويعرضونها للصيانة بصورة دورية، وهم يشكلون بابا مفتوحاً للرزق نجني منه قوت يومنا. ليس ما نكسبه كافٍ لتغطية احتياجاتي الحياتية لكني لا أستطيع التخلي عن مهنة شغلتها لأكثر من 30 عاماً".


ولم يكن جميع الساعاتية يتحلون بنفس الإصرار والصمود في معركة البقاء، وقد بدأ اليأس يتسلل إلى العديد من أصحاب هذه المهنة وبدأوا رحلة البحث عن بدائل للكسب المعيشي، ومن بين هؤلاء "ميرغني عبد القادر" الذي يرغب بشكل جدي في ترك العمل في صيانة الساعات، وذلك بعد 35 عاما قضاها في كنف هذه المهنة الحرفية.


ويضيف "الموبايلات أوقفت عملنا تماماً، فهي توفر الوقت والآلات الحاسبة وكل الأدوات التي كنا نعمل على صيانتها في الوقت السابق، فكما تشاهد صرنا نأتي ونجلس طوال النهار ولا نجد أي زبون في أغلب الأحيان، ففي ظل ارتفاع نفقات المعيشة يصبح من الصعب الاستمرار في هذه المهنة، وينبغي أن نبحث عن بديل في أسرع وقت".


لكن الخيارات لم تكن متوفرة أمام ميرغني عبد القادر وزملاءه، فقد بلغ غالبيتهم 70 عاما من العمر قضوها في مهنة إصلاح الساعات والتي لم يتعلموا سواها، بينما يصعب عليهم ممارسة الأعمال الحرة الشاقة نظرا لتقدم السن، فليس أمامهم حل غير الصمود في كفاحهم لأجل مهنة الساعاتية والعمل على تطويع عقارب الحداثة المتسارعة".




السبت، 18 مارس 2023

قصة سلطنة مايرنو (مدينة السحرة) في السودان .. لا تصوم إلا برؤية الهلال بالعين المجردة

قصة سلطنة مايرنو (مدينة السحرة) في السودان .. لا تصوم إلا برؤية الهلال بالعين المجردة


السودانيون يفطرون في رمضان


بينما الغالبية العظمى من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها منشغلين بتحري رؤية هلال شهر رمضان المعظم، هذه المدينة وحدها تبدو غير مكترثة لما يحدث، لأن العادة جرت منذ عشرات السنين أن صوم شهر رمضان لا يثبت إلا بعد رؤية الهلال بازغًا بالعين المجردة.


تلك العادة متبعة في في شهر رمضان، في سلطنة مايرنو بولاية سنار، الواقعة على بُعد 320 كلم تقريبًا بالاتجاه الجنوبي للخرطوم، منذ أزمان سحيقة تتوارثها الأجيال، وتقف صامدة ومتماسكة بوجه العولمة والتطور الرقمي، ولا يجرؤ أي شخص بالسلطنة حتى أولئك الذين نالوا حظاً وافراً من التعليم خارجها على معارضتها أو مخالفتها.


مواطنو مايرنو يتبعون نهج الحديث النبوي الشريف: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُم فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ". كما يتبعون ذات النهج في تحري رؤية هلال شهر شوال لإعلان أول أيام عيد الفطر ولا يقيمون وزناً لحسابات فلكية أو ثبوت رؤية بالمجهر أو التلسكوب، كما يجري في بقية دول العالم الإسلامي.


كيف ومتى تأسست سلطنة مايرنو؟


تأسست سلطنة مايرنو بالسودان مطلع القرن الماضي، على يد أحفاد الشيخ عثمان دانفوديو، أحد أعظم القادة بالقارة الإفريقية في القرن الثامن عشر الميلادي، بعد سقوط مملكة سوكوتو الإسلامية في نيجيريا، بغرب إفريقيا، بعد معركة ورنو الطاحنة ضد البريطانيين.


بعد تلك المعركة، اختار أحفاد دانفوديو الهجرة شرقاً، ليحطوا رحالهم بالسودان، بعد مسيرة شاقة استغرقت ثلاثة أعوام ونصف العام سيراً على الأقدام.وهناك في سنار، تخيّروا رقعة أرض على الضفة الغربية للنيل الأزرق، وأقاموا سلطنة (مي ورنو) وتعني ابن السيد بلغة الفولاني والتي تحورت إلى (مايرنو) فيما بعد.


وعند وصولهم للسودان، كانت تدفعهم أشواقهم للحاق بالدولة المهدية، لكنهم وجدوا أن المهدية التي ينظرون إليها بإعزاز وتقدير، غربت شمسها على أيدي البريطانيين بقيادة اللورد كتنشر باشا.فطاب لهم المقام بمايرنو على تخوم سنار وشيّدوا وزرعوا وحصدوا وتصاهروا، ثم هوت إليهم أفئدة كثير من الناس، حتى يسكنها حالياً 70 ألف نسمة أو يزيدون.


مدينة السحرة


ثمة اعتقاد راسخ يسيطر على مخيلة السودانيين بأن مايرنو معقل من معاقل كبار السحرة وأصحاب الخوارق والوسطاء الروحانيين، وعزز من تلك المعتقدات أنها تحولت إلى مزار دائم للساسة الأكابر منهم والأصاغر لتوطيد دعائم سلطة ماثلة أو استعادة أخرى غاربة، كذلك يحج إليها الإداريون بأشهر الأندية الرياضية، يعفرون أقدامهم لشيخ أو انطون كما يعرفون في الوسط الرياضي بالسودان، سعياً لكسب مباراة فاصلة.


وكذلك يفعل رجال أعمال وتجار ورجال ونساء وفتيات بحثاً عن حل لمشاكلهم وتحقيق رغباتهم دون مشقة تذكر، عبر القوة الروحية الخارقة لدى أولئك الشيوخ أصحاب الحظوة والكرامة بمايرنو، وهناك روايات وقصص شعبية لا تحصى ولا تعد سارت بها الركبان.


أسطورة التمساح


ولعل أشهرها، أسطورة تمساح سلطان مايرنو الذي يجوس خلال الديار إذا أرخى الليل سدوله ثم يتوجه لضفة النهر، حتى إن دنا الفجر عاد أدراجه، خلف قضبان قفصه الحديدي.


لكن مهند عرابي أحد حفدة سلطان مايرنو قال لـ"العربية.نت" إن المنطقة لديها إرث وتاريخ في إقامة الخلاوي وتحفيظ القرآن الكريم، ولديها شيوخ درسوا بالأزهر الشريف بمصر وجامعات مرموقة بالسودان، وأيضاً لديها تاريخ في التداوي بالأعشاب النابتة بالمنطقة أو المستجلبة من نيجيريا، لكن الأساطير التي نُسجت حول المنطقة وربطتها بالسحر والدجل والشعوذة، معظمها غير صحيحة ومفبركة.


قطعاً هناك شيوخ يستخدمون ما تحصلوا عليه من الأسرار في السحر والشعوذة، لكن هؤلاء قلة قليلة - كما يقول مهند عرابي - وموجودون في كافة أنحاء السودان ولا تختص بهم منطقة مايرنو فحسب. معظم القادمين إلى مايرنو بحثاً عن هؤلاء الخارقين، يجد نفسه عندما يتجول بالمدينة، أنه تبع سراباً ووقع أسيراً لخدعة ساذجة نسجها البسطاء، وعزّزها الساسة والرياضيون والعشاق وأغنيات البنات.


الجمعة، 17 مارس 2023

حسين بيسو السوري.. من طفل لاجئ إلى بطل عالمي في الشطرنج

حسين بيسو السوري.. من طفل لاجئ إلى بطل عالمي في الشطرنج



لا يتعدى عمر اللاجئ السوري حسين بيسو 12 عاما، لكنه من المحتمل أن يكون من بين أفضل لاعبي الشطرنج في ألمانيا بعد استدعائه للعب لصالح المنتخب الوطني للرجال. لاذ "معجزة الشطرنج" بالفرار مع أسرته من أهوال الحرب في سوريا، ووصل لاجئا إلى ألمانيا في سن الخامسة، وكان يستمتع بمتابعة جده ووالده يلعبان لساعات، وحسب تقارير صحفية، فقد بدأ يلعب الشطرنج على جهاز الكمبيوتر كل يوم في سن الرابعة، وفي الخامسة من عمره، حقق أول فوز عندما هزم والده.


كان حسين يعيش داخل تجمع للاجئين في مدينة ليبستادت شمالي ألمانيا، وتدرب في نادي الشطرنج "تورم ليبستادت" ليكتشف مدربه أندرياس كوهلر طريقته الفذة في اللعب، إذ يقوم عقليا ببناء وضع غير تقليدي ومعقد للغاية لقطع الشطرنج، فأدرك أن عليه أن يجهزه بشكل خاص للغاية.


شهرة منذ السابعة


ما يزال مدرب الشباب الوطني في اتحاد الشطرنج الألماني بيرند فوكلر، يتذكر أول لقاء له مع حسين عندما كان في السابعة من عمره، حيث قال: "لاحظت على الفور حسين خلال بطولة الشباب الأوروبية 2018 في (العاصمة اللاتيفية) ريغا".ويتابع، "كان يلعب في فئة U8 لأقل من 8 سنوات. يلعب بندية ويتميز بسرعة البرق. ربح 5 مرات وخسر 4 مرات. لا تعادل ولا تنازلات".وفي سن التاسعة، أصبح حسين بطلا لألمانيا في الفئة العمرية لأقل من 10 سنوات لأول مرة، وفاز بالميدالية البرونزية في بطولة العالم للشباب للعبة الشطرنج الأخيرة.


إلى عالم الكبار


وبحسب ما نشر موقع الاتحاد الدولي للشطرنج، فبعدما بلغ عمره 11 عاما و7 أشهر فقط، استدعي للانضمام إلى المنتخب الألماني للرجال نظرا للتطور الذي شهده مستوى الطفل السوري، خصوصا بعد فوزه في شهر ديسمبر الماضي ببطولة الهواة الألمانية للشطرنج بالمجموعة "أ"، من التصفيات المؤهلة في هامبورغ التي عرفت مشاركة 330 لاعبا.


ووصف اتحاد الشطرنج الألماني انضمامه بـ"السابقة التاريخية" لأنها لم تحدث في الاتحاد من قبل، وبهذا العمر، يعد الفتى السوري أصغر من انضم إلى منتخب ألماني في أي لعبة.ويعتبر مدرب الشباب الوطني في اتحاد الشطرنج الألماني أن "الشطرنج ليس لعبة حظ. وحسين تطور خلال الأشهر القليلة الماضية سريعا. تدرب جيدا وتعلم اللعب النظيف. يحسب جيدا. وهو حاليا يحتل المرتبة الثانية في التصنيف العالمي الحالي تحت 12 عاما".


ومن المنتظر أن يحاول حسين، صاحب الموهبة الاستثنائية، إثبات تفوقه عندما يلعب في كأس ميتروبا في كرواتيا شهر أبريل 2023، وهي البطولة التي تتنافس فيها سنويا 10 دول على مدار أكثر من 40 سنة.ويتنافس الفتى في المسابقات الدولية لسنوات بصفته ألمانيًّا، وهو أمر ممكن في الشطرنج، وحتى من دون جنسية إذ لم تكن قد لعبت من قبل لدولة أخرى.


وفي شهر فبراير الماضي، منح الاتحاد العالمي للشطرنج حسين لقب "فايد ماستر"وهي الخطوة الأولى نحو لقب "غراند ماستر"، والمرحلة المتوسطة الثانية هي "الماستر الدولي".في المقابل، يمكن أن يفي حسين بالمطلب الأولي المعروف باسم "المعايير" من خلال الأداء الجيد في أول مهمة له مع المنتخب الوطني الألماني في كرواتيا. لكن يبدو أن التدريب والبطولات يشكلان تحديا ماليا أيضا لهذا البطل العالمي، لذا أطلق أعضاء من ناديه حملة دعم لضمان استمرار تطوره ومشاركاته على المستوى الدولي.


الخميس، 16 مارس 2023

الإمارات تاريخ ملحمي في دعم السودان لتحقيق تطلعات الشعب السوداني من سلام وأمن مستدام

الإمارات تاريخ ملحمي في دعم السودان لتحقيق تطلعات الشعب السوداني من سلام وأمن مستدام 


فتاة سودانية تحمل علم بلادها


أكدت دولة الإمارات، الحاجة إلى مواصلة دعم السودان في كافة المجالات، وفي سعيه إلى تحقيق سلامٍ وأمنٍ مُستدام، بما في ذلك من خلال معالجة الظروف الاقتصادية التي تؤثر بشكلٍ خاص على المستضعفين، بإقامة المشاريع التي تخدم المواطنين  في السودان، كما كررت دعوتَها للمجتمع الدولي، بما في ذلك مجلس الأمن الدولي، إلى دعم تطلعات الشعب السوداني، بما يحترم سيادة السودان واستقلالَهُ وسلامتَهُ الإقليمية ووحدتَهُ الوطنية،وتشكيل حكومة مدنية لدعم وتيرة السلام السياسي في السودان .


ودور الإمارات الجلي ونجاحها  في الضغط على مجلس الأمن لاتخاذ قرار باعتماد "بند الانقضاء"، لتدابير نظام العقوبات الذي فرضه المجلس على السودان منذ عام 2004.(حيث صوتت دولة الإمارات، لصالح هذا النص، خاصة أنّ اعتماد "بند الانقضاء" من شأنه تغيير نظام العقوبات من "مفتوح" إلى "محدد زمنياً"، الأمر الذي يُعدّ تطوراً مهماً، في الوقت الذي تعمل الامارات فيه على رسم مسار لرفع العقوبات نهائياً").


وكثفت دولة الإمارات جهودها الاغاثية والإنسانية لمساعدة جمهورية السودان الشقيقة في ظل الظروف الطارئة التي تشهدها بسبب الفيضانات التي ضربت البلاد ، إلى جانب تضرر ما يفوق نصف مليون سوداني، وإستجابة الإمارات السريعة في تقديم المساعدات للشعب السوداني لمواجهة الكوارث الطبيعية، وأرسلت الإمارات جسر جوي لدعم المواطنين المتضررين.


مساعدات إنسانية


وتركت قوافل المساعدات الإنسانية التي سيرتها الإمارات إلى السودان أثرا طيبا على حياة مئات الآلاف من السكان المحليين وأسهمت في التخفيف من معاناتهم اليومية خاصة بعد أن جرفت السيول قسما كبيرا من منازلهم.


وأمر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي "رعاه الله"، بإرسال طائرة تحمل 100 طن من مواد الإغاثة من مخازن المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في المدينة العالمية للخدمات الإنسانية في دبي، لمساعدة ضحايا الفيضانات.


وكان صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة أكد في تغريدة على حساب سموه على «تويتر» تضامن الإمارات مع السودان الشقيق لتجاوز محنته، إثر السيول والفيضانات التي اجتاحته، معبراً عن خالص التعازي والمواساة إلى أسر الضحايا، والتمنيات بالشفاء العاجل للمصابين والسلامة للشعب السوداني الشقيق من كل مكروه.


وبتوجيهات سموه، ومتابعة سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان ممثل حاكم أبوظبي في منطقة الظفرة رئيس هيئة الهلال الأحمر الإماراتي، سيرت الهيئة طائرة إغاثة إلى السودان، لتوفير الاحتياجات الإنسانية العاجلة والضرورية، لمساندة المتأثرين من السيول والفيضانات في عدد من الولايات السودانية.


ورافق الطائرة وفد من هيئة الهلال الأحمر، لإيصال المواد الإغاثية التي تتضمن كميات كبيرة من المستلزمات الطبية والمواد الغذائية والإيوائية المتمثلة في الخيام والأغطية والمشمعات، إلى جانب المواد الصحية المستخدمة في إصحاح البيئة، كما يقوم الوفد بعدد من المهام الإنسانية خلال تواجده في السودان، حيث يقف ميدانيا على الآثار المدمرة للفيضانات وتأثيرها على مئات الآلاف من السودانيين في حوالي 16 ولاية، ويتلمس عن قرب أهم الاحتياجات الأخرى التي تحتاجها الساحة السودانية.


جسر جوي


وأرسلت الإمارات يوم الأحد الماضي طائرة مساعدات ثانية، ضمن جسر هيئة الهلال الأحمر الإماراتي الجوي، لإغاثة المتأثرين من الفيضانات في السودان، تحمل كميات كبيرة من الأدوية والمستلزمات العلاجية والمواد الطبية والغذائية، والإيوائية.


خطة الدعم للسودان


وقام الوفد الهلال الاحمر بوضع خطة لتوزيع مكرمة صاحب السمو حاكم عجمان، على المتأثرين في عدد من الولايات الأكثر تضرراً، كما عمل الوفد على توسيع مظلة المستفيدين من المكرمة على الساحة السودانية.


وأشاد الدكتور محمد عتيق الفلاحي، الأمين العام لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي، بمكرمة صاحب السمو حاكم عجمان، وقال: إنها تأتي امتداداً لمبادرات سموه المستمرة في المجالات الإنسانية والتنموية، وتعزز جهود الإمارات الراهنة للحد من تداعيات كارثة الفيضانات عن كاهل الأشقاء في السودان، كما تسهم في دعم برامج الهلال الأحمر الإنسانية، وعملياته الإغاثية للمتأثرين. وأكد أن صاحب السمو حاكم عجمان، من أكبر المانحين والداعمين لهيئة الهلال الأحمر الإماراتي.


مكرمة


قال الدكتور محمد عتيق الفلاحي الفلاحي إن المكرمة من شأنها تحقيق المزيد من المكتسبات الإنسانية للضحايا والمتضررين من الفيضانات في السودان، مشيراً إلى أن الهيئة وضعت خطة لزيادة رقعة المستفيدين منها، ومساعدتهم على تجاوز التحديات التي يواجهونها حالياً، من خلال توفير المزيد من احتياجاتهم الغذائية والمعيشية والدوائية والإيوائية والبيئية.


جميع الحقوق محفوظة © قلب السودان
تصميم : يعقوب رضا