هنا تنشأ العقد وتظهر وظيفة لعب الأدوار الوظيفية فيما يمكن من مساحة صغيرة لاسترضاء قوى على أخرى، أو حتى تحقيق توافقات بلا معنى، فقط لالتقاط صور تعلق على جدران البيوت صنعت بالغاز القابل دائما للإشتعال السريع، فهي جدران وهمية، مثل بناء قلاع من الرمال، ضمن الوظيفة الوهمية.

لم يكن يعتقد الأميركيون وهم يشجعون المقاتلين العرب على هزيمة السوفييت، هناك مخلوقات تحمل في رأسها العقيدة التكفيرية بأجساد مقاتلين أشداء أسقطوا الرايات الحمراء ثم حملوا راياتهم السوداء.

في 2001 ظهر أسامة بن لادن على قناة الجزيرة القطرية فاصلا الدنيا إلى فسطاطين، ومازالت السمكة تتذكر أن بن لادن كان يضع الكلاشنكوف السوفيتي بجوار كتفه في تذكير للعم سام أنه كان ضمن كتائب المقاتلين العرب الذين جاءوا ليحققوا له أهدافه، وحققوها وأنجزوا المهمة بنجاح، لكنه كان في ذلك اليوم يقول للعم سام إن عليه التعامل مع جيل من المقاتلين ولدوا في بطون جبال الأفغان، حتى وأن حاولت الطائرات والقنابل ملاحقتهم فإن الجبال تعرف كيف تحمي عيالها وتحافظ على بقائهم أحياء، وعلى عقائدهم الحية في شرايينهم والمسكونة في عضلاتهم.

ذلك التاريخ وتلك الوظائف هي ذاتها تطل برأسها في منسوجات قطر الراعية لمفاوضات السلام الأفغانية، التي حاولت إنتاج نسخة مطورة من طالبان الأولى بمفاهيم الديمقراطية، وقد يسمع العالم عن الليبرالية الطالبانية، فهذا موكل بالإنتاج القطري لنسخة طالبان الجديدة.

أنفقت الولايات المتحدة في 20 عاما من الحرب في أفغانستان تريليون دولار من دون أن تتغير التضاريس الأفغانية، فالبيوت المدمرة والمدارس المحطمة من الحرب السوفيتية مازالت على حالها، المتغير الوحيد هو أن قطر أنتجت طالبان القابلة بالسياسة التي تبقيها في السلطة من دون أن تتزحزح الكتل الصخرية من أفكار الملا عمر عن مكانها.

بين عقيدة نكسون في فيتنام وعقيدة أوباما في الشرق الأوسط تكمن القراءة الأميركية حول مسألة ملء الفراغ وتفريغ الممتلئ، سياسة متعاكسة لكنها أميركا بواقعية الحاجة وظروفها ومقتضيات الأمن الأميركي فقط وليس العالمي، فلقد تخلى العم سام عن لعب دور الشرطي الكبير للعالم ودخل الأميركيون منذ سنوات مرحلة الانكفاء على أنفسهم، وباتوا منشغلين بإدارة الشركات العابرة للدول، فهذه هي القوة الإمبراطورية التي ستحكم القرن الحادي والعشرين، هذه المحفزات هي التي منها تلعب فيها قطر وظيفتها وتحاول تركيا تحقيق حضورها في بلد يعرف الأتراك أنها مقبرة الإمبراطوريات، غير أن الأتراك المعاصرين يعيشون على بقايا مواريث التاريخ العثماني البائد، وهذه وظيفة أردوغان، أن يعيش الشعب على بقايا البقايا وإن خسرت الليرة وافتقرت الجيوب وجاعت البطون.

أردوغان يريد الرضا الأميركي، ولو كان يلعب الدور الصعب في بلاد الأفغان فهذا الدور أيضا سيعزز من وضع تركيا ضمن حلف الناتو، وسيعوض عن السنوات الترامبية التي خسرت فيها تركيا ما حققته وهي تستجدي الانضمام للاتحاد الأوروبي، وأردوغان هنا يعتبر الأمر كمغامرة من مغامراته لا أقل ولا أكثر، يبقى الإيرانيون الذين استثمروا طويلا في طالبان ضمن معاركهم مع الأميركيين، كيف سيستثمرون في طالبان الراشدة كما تقدمها قطر للمجتمع الدولي؟

هذه السياسات الوظيفية تنتج هكذا منتجات مبهمة المعالم وغير واضحة الملامح، فالطباخون كثر والوعاء واحد، والشعب الأفغاني الضحية الباقية على امتداد قرنين من التاريخ، هذه هي الحقيقة الوحيدة وما دونها انتهازيات وعنتريات وشعارات لم ترشد، وإن ادعت قطر أنها راشدة.